ما ظنُّكم بمَن مُعلِّمُه الله؟
الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني
09 - ذو الحجة - 1443 هـ
08 - 07 - 2022 مـ
08:40 صباحًا
(بحسب التّقويم الرّسميّ لأمّ القرى)
[لمتابعة رابط المشاركة الأصلية للبيان]
https://mahdialumma.com/showthread.php?p=389849
____________
ما ظنُّكم بمَن مُعلِّمُه الله؟
بِسم الله الرّحمن الرّحيم والصّلاة والسّلام على كُلّ إنسانٍ عاقلٍ يَستخدمُ عَقله للتّمييز بين الذين يقولون على الله ما لا يَعلَمون مِن كافّة مَشاهير أصحاب التّفاسير الظّنيّة، عسى الله أن يغفِر لهم إنه هو الغفور الرّحيم، وحين يُبيِّن لكم ناصر محمد اليماني شيئًا مِن أسرار القرآن فسوف تجدون عقولكم تُفتِيكم بالحقّ فتقول أنّ الحقّ بالقَول الفَصل وما هو بالهزل هو مع ناصر محمد اليماني شِئتُم أم أبَيتُم؛ إذا استَخدمتُم عقولكم فحتمًا تَجدونها مع خليفة الله المهديّ ناصر محمد اليماني، ولسوف نُبيِّن لكم مِن أحسَن القَصَص حاجةً في نَفْس يوسف قضاها، وحاجةً في نفس يعقوب قضاها:
فأمّا الحاجة التي في نفس يوسف قضاها في قول الله تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٦٢﴾} صدق الله العظيم [يوسف]، وذلك كونَه يعلمُ أنّه اشتَرط عليهم شرطًا في مُحكَم الكتاب في قول الله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴿٥٩﴾ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴿٦٠﴾ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴿٦١﴾} صدق الله العظيم [يوسف].
إذًا شَرطُ نبيّ الله يوسف واضحٌ أنّه لا كَيلَ لهم عنده ولا يَقرَبون حتى يأتونه بأخٍ لهم مِن أبيهم لإثبات مِصداقيَّتِهم كونَه سَألهم عن عَدَد البالغين على الأبوين فقالوا: "نحن عشرة أشِقّاء على أمٍّ وأبٍ ويُوجَد كذلك أخٌ لنا مِن أبينا"، فقال لهم يوسف: "أقسِموا بالله أنّه يوجد أخٌ لكم مِن أبيكم"، فأقسَموا، فقال: "لسَوف نزيدُكم حِمل بَعيرٍ"، حتى إذا جهَّزهُم فقال لهم: "المَرَّة القادمة يأتي معكم أخٌ لكم مِن أبيكم كَوني صدَّقتُ بقَسَمِكم، ما لم تأتوني به فأنتم تَكذِبون" {فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴿٦٠﴾ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴿٦١﴾} [يوسف].
ولكنّ يوسف يَعلمُ بِردِّ أبيهم الحَتمِيّ عليهم بالرّفض المُطلَق، فهل يأمَنهم عليه إلَّا كما أمِنَهم على أخيه مِن قَبلُ؟ فلا يُلدَغ مُؤمنٌ مِن جُحرٍ مرَّتين، فأراد يوسف أن يُرسِل مَعهم رسالةً خَفيَّةً لكي يَلفِتَ انتباه أباه يعقوب أنّ الله قد أصدَقَه رُؤياه بالتّمكين وأنّ عزيز مِصر (ابنه يوسف) وذلك حتى يُرسل معهم أخاه، وقال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴿٥٤﴾ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴿٥٥﴾ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٦﴾ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٥٧﴾ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴿٥٨﴾ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴿٥٩﴾ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴿٦٠﴾ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴿٦١﴾ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٦٢﴾ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿٦٣﴾ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٦٤﴾ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴿٦٥﴾ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴿٦٦﴾} [يوسف].
فانظروا إلى الحاجة التي في نَفْس يوسف قضاها بالرّسالة الخَفِيَّة بإرجاع كُلٍّ منهم نُقُوده ذاتها فجَعلها في رِحالِهم خِفيَةً فيتفاجأوا بها عند أبيهم وأمّهم؛ فعرَفوها أنّها ذاتها نقودهم رُدَّت إليهم ليُصَدِّقهم يعقوب أنّ ابنه حقًّا مَطلوبٌ مِن عزيز مصر، فوصَلت الرّسالة إلى نفس يعقوب أنّه ما فعل هذا إلَّا أخوهم يوسف فإخوته لا يعلَمون برؤياه مِن قبلُ، وقبل أن يَعلم يعقوب أنّ بِضاعَتهم رُدَّت إليهم رفَض قَطعًا أن يُؤتيهم بأخٍ لهم مِن أبيهم كونَه ظنّ بادِئ الأمر أنّ تلك خِطَّةٌ منهم ليَغدُروا بأخِ يوسف كما غدَروا بأخيه يوسف مِن قبلُ، فماذا يَبغي عزيز مصر مِن أخيهم مِن أبيهم؟! ولذلك: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٦٤﴾ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴿٦٥﴾ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴿٦٦﴾} [يوسف].
فمِن ثمّ أراد يعقوب أن يَقضي حاجةً في نفسه فيهيّأ الفُرصَة ليوسف ليَنفَردَ بأخيه فيُكلّمه وحده، ولذلك قال يعقوب: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿٦٧﴾ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦٨﴾ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٦٩﴾} [يوسف].
ولذلك وصفَه اللهُ - يعقوبَ - بذكاءِ الفَهمِ لرسالة البُشرى بابنه يوسف بِوَحْيِ التَّفهيم مِن الله، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦٨﴾} [يوسف]، ولكنّ التّفهيمَ تَفهيمٌ في النّفس حتى يأتي بُرهانُه على الواقع الحقيقيّ أو بسلطانِ عِلمٍ مِن الله في كتابٍ مِن عند الله ليعلَمَ صاحبُ وَحْيِ التّفهيم أنّه حقًّا كان إلهامًا مِن الله وليس مُجرَّد وَسوَسَة نفسٍ أو الوَسواس الخنّاس الذي يُوسوِسُ في صُدور الناس بسبب مُسوسِ الشياطين.
ألا وإنّ وحيَ التّفهيم إلهامٌ مِن الله ولكنّه يَتطلّبُ سُلطانَ عِلمٍ مُبيْن في الكتاب يُسلِّمُ له العقل والمَنطِقُ تسليمًا كما سَلَّمت عُقولكم لهذا البيان عن الحِكمة مِن جعل بضاعتِهم في رِحالهم.
فانظروا للتّفاسير الظّنِّيّة؛ لن يَقبَلها العقل والمَنطِقُ أنّه يَقصدُ أنّهم سوف يَرجعون نظرًا لامتِلاكِهم الدّنانير نظرًا لأنّ بِضاعَتَهم رُدَّت إليهم، فليست الحِكمة في نفس يوسف في هذا إطلاقًا أنّهم لعلَّهم يَرجِعون نظرًا لأنّ بِضاعَتهم رُدَّت إليهم، فيا للعجب! فكيف نَسِي المُفسِّرون أنّ الإشكاليّة ليست في عَدم وُجود الدَّنانير؟! بل الإشكاليّة لدى نبيّ الله يعقوب كونَه لن يأمَنهم على أخِ يوسف إلا كما أمِنهم على يوسف مِن قبلُ، فأراد نبيّ الله يوسف أن يُصَدِّق أبوه أولاده حين يَجِدهم تَفاجؤوا أنّ بِضاعتَهم رُدَّت إليهم وهم لا يَعلمُون أنّها رُدَّت إليهم إلّا حين فتَحوا رِحالَهم في دارهم لدى أبيهم، فمِن ثمّ يُصدِّقهم أبوهم بقصّة مَنعِ الكَيلِ حتى يأتوا بأخٍ لهم مِن أبيهم، ثمّ يَعلَم يعقوب أنّه أخوهم يوسف مَن طلبَ أخاه؛ بل ومُوقِنٌ بادئ الأمر بسبب تكليم وَحيِ التّفهيم مِن الرَّب إلى القلب، ولذلك كان في انتظار عودة أخِ يوسف بالبشرى بأخيه يوسف أنّه وجده حيًّا يُرزَق - عزيز مصر - ولذلك هيّأ الفُرصة ليوسف ليُكلِّم أخاه على انفرادٍ، وفِعلًا قَضى تلك الحاجة في نفسه - يعقوب - حين دخلوا مِن أبواب مُتفرّقةٍ على يوسف فهيَّأ الفرصة ليوسف ليتكلّم مع أخيه بانفرادٍ رغم أنّ يعقوب تظاهر أنّه يخشى عليهم مِن حَسد العين حين يَدخلون مِن بابٍ واحدٍ - إخوةً مُتشابهِين - ولكنّ يعقوب يعلم أنّ في مثل هذا أنّ المؤمن يتوكّل على الله ومَن يتوكّل على الله فهو حسبُه ولا يُغنِي عنهم مِن الله شيئًا؛ بل حاجةً أخرى في نفس يعقوب قضاها لتَهيِئة الفُرصة ليُكلّم يوسف أخاه على انفرادٍ ليزُفَّ إلى يعقوب البُشرى فيأتوا إليه أجمعين، ولكنّ قدَر الله لم يأن بعدُ حتى يَدخلوا عليه أذِلَّةً يَشكُون إليه أنّه مَسّهم وأهلهم الضُّرّ فيسألونه الصّدقه وهم أذِلّة ويوسف أعَزَّه الله تصديقًا لوعد الله ليوسف بوحيِ التّفهيم بعد أن قَهروه وتركوه في بئرٍ في غَيابَت الجُبِّ على طريق أصحاب القوافِل المُسافرين إلى مصر، ولذلك قال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم.
أي وهُم لا يَشعُرون أنّه أخاهم يوسف إلَّا حين يُنَبِّأهم بِغَدرهِم به في غَيابَت الجُبِّ؛ وعدَ الله لا يُخلف الله الميعاد، وجاءت ساعة تصديق الوعد وهم أذِلةٌ يستعطفون عزيز مصر أن يَفِيَ لهم الكيلَ كونهم جاؤوا ببضاعةٍ مُزجاةٍ فباعوها في السّوق ولم تَفِ ثَمنَ قيمة القمح، ولذلك استَعطفوا يوسف ليَفِيَ لهم الكَيلَ صدقَةً منه، ولم يكونوا يَشعرون أنّه أخاهم يوسف إلَّا حين ذَكَّرهم بغَدرِهم به في غَيابَت الجبِّ، ولم يَكُن يعلم أحدٌ بذلك غير يوسف وإخوته مِن أبيه العَشَرة.
وجاء تصديقُ وعدِ الله ليوسف في قول الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٥﴾}، وقال الله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴿٨٩﴾ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٩٠﴾ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴿٩١﴾ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٩٢﴾ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٣﴾ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ ﴿٩٤﴾ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴿٩٥﴾} [يوسف].
وسبب وصفِ زوجة يعقوب لنبيّ الله يعقوب بالخرَفِ كونه قال لزوجته بعد الصَّدمة التي بِسبَبها ابيضَّت عيناه مِن الحُزن فهو كان ينتظر البُشرى بيوسف؛ وإذا أولاده جاؤوا بدون أخيهم بحجّة أنّه سَرَق فألقى عليه القَبض عزيز مصر؛ فهنا جاءت الصّدمة النّفسيّة العكسيّة كونه كان ينتظر البُشرى بيوسف على لسان أخيه، ولذلك ابيَضَّت عيناه مِن الضّربة العكسيّة، فكان وقعُها شديدًا على حالة يعقوب النفسيّة ولذلك قال الله تعالى: {وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴿٨٥﴾ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٦﴾} [يوسف].
كونه جاء وحيُ التّفهيم مِن بعد الصّدمة ليُؤكِّدَ له أنّ الذي ألقى القبض على أخِ يوسف أنّه يوسف عزيز مصر كونه يخشى عليه مِن إخوته مِن بعد إثبات مِصداقيَّتِهم فأحضروا أخًا لهم مِن أبيهم، ولكنّ يوسف لا يأمنُهم عليه حين العودة مِن بعد أن أثبتوا مِصداقيَّتَهم ولذلك باح لزوجته وأولاده بالسِّرّ مِن بعد الصّدمة أنّ عزيز مصر الذي أخذ منهم أخاهم خشيَةً عليه منهم إنّه أخوهم يوسف عزيز مصر، ولذلك قال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴿٨٩﴾ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٩٠﴾} [يوسف].
ولكنّ زوجته كانت تُفنِّدُه مُجادِلةً - يعقوب - وتَصِفُه بالخَرَف وأنّ عقله عاد عقلَ طفلٍ؛ فليس يوسف عزيز مصر! فهذا هو المُستحيل في نظر زوجة يعقوب وكافّة أولادها العشرة، فكيف يَصِل إلى هذه المكانة؟! فهي تعلمُ أنّ إخوَته ألقوا به صغيرًا في غَيَابَت الجُبّ فلا بُدّ أنّه التَقطه أحد السَيّارة وباعوه في سُوق الرّقيق، فإذا كان لا يزال حيًّا يُرزَق فهو لا بُدَّ أنَّه عبدٌ مَملوكٌ لأحدٍ وليسَ عزيز مصر، فالفرقُ شاسِعٌ بين عبدٍ مَملوكٍ وعزيز مصر، فكانت تُفَنِّدُه فتُجادِله في هذا الوَهم في نظرِها جَدَلًا كبيرًا، فتَعوَّد على ذلك مِن زوجته ولذلك قال الله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ ﴿٩٤﴾ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴿٩٥﴾ فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٩٦﴾} [يوسف]، كونَه تحقَّق بالضّبط ما أخبَرهم في شأن يوسف؛ فتبَيَّن لهم أنّه حيٌّ يُرزَق وأنّه حقًّا عزيز مصر كما أخبرهم يعقوب مِن بعد الصَّدمة العكسيّة النّفسيّة الشّديدة مِن الفَرح إلى الحُزن؛ فأوحى الله إليه بوَحيِ التَّفهيم مرّةً أخرى أنّ ما ألهمَه به مِن قبلُ أنّه الحقّ، ولذلك عاوَد إليه اليَقين فقال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾} [يوسف].
ولكن كل ذلك العلم لدى يعقوب تأسّسَ على رؤيا لابنه يوسف مِن الله، وقال الله تعالى:{إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴿٤﴾} [يوسف].
فمِن ثمّ نأتي لتصديق الرّؤيا بالحقّ؛ وقال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾} صدق الله العظيم [يوسف].
وتستَفيدوا مِن أحَسَن القَصَص فوائد كثيرة ودروسًا كثيرةً وعِظةً وعِبرةً وحِكمةً بالغةً وخيرًا كثيرًا.
وعيدٌ مُباركٌ وكلُّ عامٍ وأنتم طَيّبون وعلى الحقّ ثابتون إلى يوم الدّين.
وسَلامٌ على المُرسَلِين والحمد لله ربِّ العالَمين..
خليفة الله على العالم بأسره؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
____________
09 - ذو الحجة - 1443 هـ
08 - 07 - 2022 مـ
08:40 صباحًا
(بحسب التّقويم الرّسميّ لأمّ القرى)
[لمتابعة رابط المشاركة الأصلية للبيان]
https://mahdialumma.com/showthread.php?p=389849
____________
ما ظنُّكم بمَن مُعلِّمُه الله؟
بِسم الله الرّحمن الرّحيم والصّلاة والسّلام على كُلّ إنسانٍ عاقلٍ يَستخدمُ عَقله للتّمييز بين الذين يقولون على الله ما لا يَعلَمون مِن كافّة مَشاهير أصحاب التّفاسير الظّنيّة، عسى الله أن يغفِر لهم إنه هو الغفور الرّحيم، وحين يُبيِّن لكم ناصر محمد اليماني شيئًا مِن أسرار القرآن فسوف تجدون عقولكم تُفتِيكم بالحقّ فتقول أنّ الحقّ بالقَول الفَصل وما هو بالهزل هو مع ناصر محمد اليماني شِئتُم أم أبَيتُم؛ إذا استَخدمتُم عقولكم فحتمًا تَجدونها مع خليفة الله المهديّ ناصر محمد اليماني، ولسوف نُبيِّن لكم مِن أحسَن القَصَص حاجةً في نَفْس يوسف قضاها، وحاجةً في نفس يعقوب قضاها:
فأمّا الحاجة التي في نفس يوسف قضاها في قول الله تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٦٢﴾} صدق الله العظيم [يوسف]، وذلك كونَه يعلمُ أنّه اشتَرط عليهم شرطًا في مُحكَم الكتاب في قول الله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴿٥٩﴾ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴿٦٠﴾ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴿٦١﴾} صدق الله العظيم [يوسف].
إذًا شَرطُ نبيّ الله يوسف واضحٌ أنّه لا كَيلَ لهم عنده ولا يَقرَبون حتى يأتونه بأخٍ لهم مِن أبيهم لإثبات مِصداقيَّتِهم كونَه سَألهم عن عَدَد البالغين على الأبوين فقالوا: "نحن عشرة أشِقّاء على أمٍّ وأبٍ ويُوجَد كذلك أخٌ لنا مِن أبينا"، فقال لهم يوسف: "أقسِموا بالله أنّه يوجد أخٌ لكم مِن أبيكم"، فأقسَموا، فقال: "لسَوف نزيدُكم حِمل بَعيرٍ"، حتى إذا جهَّزهُم فقال لهم: "المَرَّة القادمة يأتي معكم أخٌ لكم مِن أبيكم كَوني صدَّقتُ بقَسَمِكم، ما لم تأتوني به فأنتم تَكذِبون" {فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴿٦٠﴾ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴿٦١﴾} [يوسف].
ولكنّ يوسف يَعلمُ بِردِّ أبيهم الحَتمِيّ عليهم بالرّفض المُطلَق، فهل يأمَنهم عليه إلَّا كما أمِنَهم على أخيه مِن قَبلُ؟ فلا يُلدَغ مُؤمنٌ مِن جُحرٍ مرَّتين، فأراد يوسف أن يُرسِل مَعهم رسالةً خَفيَّةً لكي يَلفِتَ انتباه أباه يعقوب أنّ الله قد أصدَقَه رُؤياه بالتّمكين وأنّ عزيز مِصر (ابنه يوسف) وذلك حتى يُرسل معهم أخاه، وقال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴿٥٤﴾ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴿٥٥﴾ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٦﴾ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٥٧﴾ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴿٥٨﴾ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴿٥٩﴾ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴿٦٠﴾ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴿٦١﴾ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٦٢﴾ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿٦٣﴾ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٦٤﴾ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴿٦٥﴾ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴿٦٦﴾} [يوسف].
فانظروا إلى الحاجة التي في نَفْس يوسف قضاها بالرّسالة الخَفِيَّة بإرجاع كُلٍّ منهم نُقُوده ذاتها فجَعلها في رِحالِهم خِفيَةً فيتفاجأوا بها عند أبيهم وأمّهم؛ فعرَفوها أنّها ذاتها نقودهم رُدَّت إليهم ليُصَدِّقهم يعقوب أنّ ابنه حقًّا مَطلوبٌ مِن عزيز مصر، فوصَلت الرّسالة إلى نفس يعقوب أنّه ما فعل هذا إلَّا أخوهم يوسف فإخوته لا يعلَمون برؤياه مِن قبلُ، وقبل أن يَعلم يعقوب أنّ بِضاعَتهم رُدَّت إليهم رفَض قَطعًا أن يُؤتيهم بأخٍ لهم مِن أبيهم كونَه ظنّ بادِئ الأمر أنّ تلك خِطَّةٌ منهم ليَغدُروا بأخِ يوسف كما غدَروا بأخيه يوسف مِن قبلُ، فماذا يَبغي عزيز مصر مِن أخيهم مِن أبيهم؟! ولذلك: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٦٤﴾ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴿٦٥﴾ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴿٦٦﴾} [يوسف].
فمِن ثمّ أراد يعقوب أن يَقضي حاجةً في نفسه فيهيّأ الفُرصَة ليوسف ليَنفَردَ بأخيه فيُكلّمه وحده، ولذلك قال يعقوب: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿٦٧﴾ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦٨﴾ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٦٩﴾} [يوسف].
ولذلك وصفَه اللهُ - يعقوبَ - بذكاءِ الفَهمِ لرسالة البُشرى بابنه يوسف بِوَحْيِ التَّفهيم مِن الله، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦٨﴾} [يوسف]، ولكنّ التّفهيمَ تَفهيمٌ في النّفس حتى يأتي بُرهانُه على الواقع الحقيقيّ أو بسلطانِ عِلمٍ مِن الله في كتابٍ مِن عند الله ليعلَمَ صاحبُ وَحْيِ التّفهيم أنّه حقًّا كان إلهامًا مِن الله وليس مُجرَّد وَسوَسَة نفسٍ أو الوَسواس الخنّاس الذي يُوسوِسُ في صُدور الناس بسبب مُسوسِ الشياطين.
ألا وإنّ وحيَ التّفهيم إلهامٌ مِن الله ولكنّه يَتطلّبُ سُلطانَ عِلمٍ مُبيْن في الكتاب يُسلِّمُ له العقل والمَنطِقُ تسليمًا كما سَلَّمت عُقولكم لهذا البيان عن الحِكمة مِن جعل بضاعتِهم في رِحالهم.
فانظروا للتّفاسير الظّنِّيّة؛ لن يَقبَلها العقل والمَنطِقُ أنّه يَقصدُ أنّهم سوف يَرجعون نظرًا لامتِلاكِهم الدّنانير نظرًا لأنّ بِضاعَتَهم رُدَّت إليهم، فليست الحِكمة في نفس يوسف في هذا إطلاقًا أنّهم لعلَّهم يَرجِعون نظرًا لأنّ بِضاعَتهم رُدَّت إليهم، فيا للعجب! فكيف نَسِي المُفسِّرون أنّ الإشكاليّة ليست في عَدم وُجود الدَّنانير؟! بل الإشكاليّة لدى نبيّ الله يعقوب كونَه لن يأمَنهم على أخِ يوسف إلا كما أمِنهم على يوسف مِن قبلُ، فأراد نبيّ الله يوسف أن يُصَدِّق أبوه أولاده حين يَجِدهم تَفاجؤوا أنّ بِضاعتَهم رُدَّت إليهم وهم لا يَعلمُون أنّها رُدَّت إليهم إلّا حين فتَحوا رِحالَهم في دارهم لدى أبيهم، فمِن ثمّ يُصدِّقهم أبوهم بقصّة مَنعِ الكَيلِ حتى يأتوا بأخٍ لهم مِن أبيهم، ثمّ يَعلَم يعقوب أنّه أخوهم يوسف مَن طلبَ أخاه؛ بل ومُوقِنٌ بادئ الأمر بسبب تكليم وَحيِ التّفهيم مِن الرَّب إلى القلب، ولذلك كان في انتظار عودة أخِ يوسف بالبشرى بأخيه يوسف أنّه وجده حيًّا يُرزَق - عزيز مصر - ولذلك هيّأ الفُرصة ليوسف ليُكلِّم أخاه على انفرادٍ، وفِعلًا قَضى تلك الحاجة في نفسه - يعقوب - حين دخلوا مِن أبواب مُتفرّقةٍ على يوسف فهيَّأ الفرصة ليوسف ليتكلّم مع أخيه بانفرادٍ رغم أنّ يعقوب تظاهر أنّه يخشى عليهم مِن حَسد العين حين يَدخلون مِن بابٍ واحدٍ - إخوةً مُتشابهِين - ولكنّ يعقوب يعلم أنّ في مثل هذا أنّ المؤمن يتوكّل على الله ومَن يتوكّل على الله فهو حسبُه ولا يُغنِي عنهم مِن الله شيئًا؛ بل حاجةً أخرى في نفس يعقوب قضاها لتَهيِئة الفُرصة ليُكلّم يوسف أخاه على انفرادٍ ليزُفَّ إلى يعقوب البُشرى فيأتوا إليه أجمعين، ولكنّ قدَر الله لم يأن بعدُ حتى يَدخلوا عليه أذِلَّةً يَشكُون إليه أنّه مَسّهم وأهلهم الضُّرّ فيسألونه الصّدقه وهم أذِلّة ويوسف أعَزَّه الله تصديقًا لوعد الله ليوسف بوحيِ التّفهيم بعد أن قَهروه وتركوه في بئرٍ في غَيابَت الجُبِّ على طريق أصحاب القوافِل المُسافرين إلى مصر، ولذلك قال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم.
أي وهُم لا يَشعُرون أنّه أخاهم يوسف إلَّا حين يُنَبِّأهم بِغَدرهِم به في غَيابَت الجُبِّ؛ وعدَ الله لا يُخلف الله الميعاد، وجاءت ساعة تصديق الوعد وهم أذِلةٌ يستعطفون عزيز مصر أن يَفِيَ لهم الكيلَ كونهم جاؤوا ببضاعةٍ مُزجاةٍ فباعوها في السّوق ولم تَفِ ثَمنَ قيمة القمح، ولذلك استَعطفوا يوسف ليَفِيَ لهم الكَيلَ صدقَةً منه، ولم يكونوا يَشعرون أنّه أخاهم يوسف إلَّا حين ذَكَّرهم بغَدرِهم به في غَيابَت الجبِّ، ولم يَكُن يعلم أحدٌ بذلك غير يوسف وإخوته مِن أبيه العَشَرة.
وجاء تصديقُ وعدِ الله ليوسف في قول الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٥﴾}، وقال الله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴿٨٩﴾ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٩٠﴾ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴿٩١﴾ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٩٢﴾ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٣﴾ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ ﴿٩٤﴾ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴿٩٥﴾} [يوسف].
وسبب وصفِ زوجة يعقوب لنبيّ الله يعقوب بالخرَفِ كونه قال لزوجته بعد الصَّدمة التي بِسبَبها ابيضَّت عيناه مِن الحُزن فهو كان ينتظر البُشرى بيوسف؛ وإذا أولاده جاؤوا بدون أخيهم بحجّة أنّه سَرَق فألقى عليه القَبض عزيز مصر؛ فهنا جاءت الصّدمة النّفسيّة العكسيّة كونه كان ينتظر البُشرى بيوسف على لسان أخيه، ولذلك ابيَضَّت عيناه مِن الضّربة العكسيّة، فكان وقعُها شديدًا على حالة يعقوب النفسيّة ولذلك قال الله تعالى: {وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴿٨٥﴾ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٦﴾} [يوسف].
كونه جاء وحيُ التّفهيم مِن بعد الصّدمة ليُؤكِّدَ له أنّ الذي ألقى القبض على أخِ يوسف أنّه يوسف عزيز مصر كونه يخشى عليه مِن إخوته مِن بعد إثبات مِصداقيَّتِهم فأحضروا أخًا لهم مِن أبيهم، ولكنّ يوسف لا يأمنُهم عليه حين العودة مِن بعد أن أثبتوا مِصداقيَّتَهم ولذلك باح لزوجته وأولاده بالسِّرّ مِن بعد الصّدمة أنّ عزيز مصر الذي أخذ منهم أخاهم خشيَةً عليه منهم إنّه أخوهم يوسف عزيز مصر، ولذلك قال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴿٨٩﴾ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٩٠﴾} [يوسف].
ولكنّ زوجته كانت تُفنِّدُه مُجادِلةً - يعقوب - وتَصِفُه بالخَرَف وأنّ عقله عاد عقلَ طفلٍ؛ فليس يوسف عزيز مصر! فهذا هو المُستحيل في نظر زوجة يعقوب وكافّة أولادها العشرة، فكيف يَصِل إلى هذه المكانة؟! فهي تعلمُ أنّ إخوَته ألقوا به صغيرًا في غَيَابَت الجُبّ فلا بُدّ أنّه التَقطه أحد السَيّارة وباعوه في سُوق الرّقيق، فإذا كان لا يزال حيًّا يُرزَق فهو لا بُدَّ أنَّه عبدٌ مَملوكٌ لأحدٍ وليسَ عزيز مصر، فالفرقُ شاسِعٌ بين عبدٍ مَملوكٍ وعزيز مصر، فكانت تُفَنِّدُه فتُجادِله في هذا الوَهم في نظرِها جَدَلًا كبيرًا، فتَعوَّد على ذلك مِن زوجته ولذلك قال الله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ ﴿٩٤﴾ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴿٩٥﴾ فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٩٦﴾} [يوسف]، كونَه تحقَّق بالضّبط ما أخبَرهم في شأن يوسف؛ فتبَيَّن لهم أنّه حيٌّ يُرزَق وأنّه حقًّا عزيز مصر كما أخبرهم يعقوب مِن بعد الصَّدمة العكسيّة النّفسيّة الشّديدة مِن الفَرح إلى الحُزن؛ فأوحى الله إليه بوَحيِ التَّفهيم مرّةً أخرى أنّ ما ألهمَه به مِن قبلُ أنّه الحقّ، ولذلك عاوَد إليه اليَقين فقال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾} [يوسف].
ولكن كل ذلك العلم لدى يعقوب تأسّسَ على رؤيا لابنه يوسف مِن الله، وقال الله تعالى:{إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴿٤﴾} [يوسف].
فمِن ثمّ نأتي لتصديق الرّؤيا بالحقّ؛ وقال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾} صدق الله العظيم [يوسف].
وتستَفيدوا مِن أحَسَن القَصَص فوائد كثيرة ودروسًا كثيرةً وعِظةً وعِبرةً وحِكمةً بالغةً وخيرًا كثيرًا.
وعيدٌ مُباركٌ وكلُّ عامٍ وأنتم طَيّبون وعلى الحقّ ثابتون إلى يوم الدّين.
وسَلامٌ على المُرسَلِين والحمد لله ربِّ العالَمين..
خليفة الله على العالم بأسره؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
____________
تعليقات
إرسال تعليق